وزارة الصناعة
الهيئة المصرية للمواصفات والجودة المعهد القومى للجودة

لماذا الابتكار ؟ هدف للتنمية المستدامة ومعيار للتميز المؤسسي ومجال سلسلة جديدة من المواصفات الدولية

لماذا الابتكار ؟ هدف للتنمية المستدامة ومعيار للتميز المؤسسي ومجال سلسلة جديدة من المواصفات الدولية

بقلم.

م. سامية العزازي

بداية ما هو الابتكار؟ الابتكار هو"عملية ترجمة فكرة أو اختراع سلعة أو خدمة تخلق قيمة أو يدفع العملاء مقابلها، و يتحقق الابتكار في المنشآت عندما يتم تطبيق الأفكارالجديدة بغرض تلبية احتياجاتهم  وتوقعاتهم"

والابتكار بمعناه الحديث هو "فكرة جديدة أو أفكار إبداعية أو خيال جديد في شكل جهاز أو طريقة". غالبًا ما يُنظر إلى الابتكار على أنه تطبيق حلول أفضل تفي بالمتطلبات الجديدة أو احتياجات السوق الحالية.

و تعرف منظمة التعاون والتنمية  بالأمم المتحدة الابتكار على أنه مجموع الخطوات العلمية والفنية والتجارية والمالية اللازمة لنجاح تطوير وتسويق منتجات صناعية جديدة أو محسنة، والاستخدام التجاري لأساليب وعمليات أو معدات جديدة أو محسنة أو إدخال طريقة جديدة في الخدمـة  الاجتماعية. وعند النظر الي أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة ،  نجد أن الهدف التاسع منها يختص بـ" الصناعة والابتكار والبنية التحتية - بناء بنية تحتية مرنة، وتعزيز التصنيع الشامل والمستدام  وتعزيز الابتكار".

وعند البحث في معايير نماذج وجوائز التميز المؤسسي سواء الدولية أو العربية نجد أن الابتكار يشغل مكانا بارزا ضمن هذه المعايير. فعلي سبيل المثال لا الحصر عند النظر الي  نموذج التميز الأوروبي EFQM  نجد أن المبدأ الأول الخاص بـ " اضافة قيمة لصالح المتعاملين ينص علي " السعي الحثيث من أجل إبتكار وإضافة قيمة لصالح المتعاملين، مع العمل على إشراكهم كلما أمكن في تطوير وابتكار خدمات ومنتجات وتجارب جديدة." ، كما يخصص المبدأ الرابع بكامله ل " تسخير الإبداع والابتكار"، وفي المبدأ الخاص بـ "النجاح من خلال مواهب و قدرات العاملين" ينص علي "تحفيز العاملين وحثهم على المشاركة في عمليات التحسين والإبداع ومن ثم القيام بتقدير جهودهم وإنجازاتهم"، ويشتمل معيار القيادة علي  معيار فرعي يختص بدعم القادة لثقافة التميز و ينص علي" توفير بيئة مشجعة على الإبتكار من خلال تبني وترويج لثقافة تدعم إنتاج الأفكار الجديدة ومنهجيات التفكير الحديثة الرامية لتشجيع الإبتكار والتطوير المؤسسي. وتشجيع العاملين على المشاركة في عمليات التطوير والتحسين المستمر"،.الي غير ذلك من البنود التي تلقي الضوء علي أهمية الابتكار و الابداع في الوصول الي التميز المؤسسي.

لذا اصبح الابتكار بعدا أساسـيا من أبعاد الأداء الاستراتيجي شأنه شأن التكلفة، الجودة، المرونة، والاعتمادية. والواقع أن الكثير من المنشآت أصبحت تدرك أن الابتكار هو المصدر الأكثر قوة في تحقيق الميـزة التنافسية المستدامة نظرا للعديد من الفوائد التي تعود علي المنشأة  نتيجة تبني استراتيجة الابتكار، وأهمها التحسين من جودة المنتجات، و تنمية مهارات التفكير الشخصية للفرد من خلال التفاعل الجماعي وممارسة العصف الذهني، و المساهمة في تعزيز صورة المنشـأة  في أذهان المعنيين، و المساعدة على إيجاد روح المنافسة في المنشآت، و المساعدة على إيجاد طرق لزيادة حجم المبيعات في المنشأة، والمساهمة في تحسين جودة صنع واتخاذ القرارات لحل المشكلات داخل المنشأة في مختلف المجالات سواءً أكانت اقتصادية أم فنية أم تسويقية أو في بيئة العمل نفسها، وبالتالي المساهمة في التميّز المؤسسي للمنشأة ككل.

 لذا تعد استراتيجية المنشأة من أهم العوامل التنظيمية التي تؤثر في الابتكار، حيث إنّ الأفراد لا يعملون في الفراغ، وإنما يعملون داخل محيطٍ  تنظيمي من شأنه أن يؤثر بشكلٍ كبير على مدى ابتكارهم، والجدير بالذكر أنّ هناك منشآت توجه ابتكار الأفراد فيها  نحو الحفاظ على الوضع الحالي، وليس نحو التجديد والتميز، بينما المنشآت المتميزة تتبني  استراتيجية التجديد، ويكون ابتكار العاملين فيها هو السبب في تميزها المؤسسي وزيادة تنافسيتها في الأسواق. وتتعدد الأمور التنظيمية الأخرى التي  تؤثر إيجابياً في تعزيز الابتكار ودعمه ، وأولها إدارة المنشأة وثقافتها لما لها  من دور كبير وفعال في التأثير على العملية الابتكارية، فهناك القيادة الابتكارية التي من شأنها نشر  ثقافة الابتكار و توفير المناخ الملائم له و التشجيع والتحفيز على الابتكار، في حين أن القيادة البيروقراطية تهدف للحفاظ على الوضع الراهن فقط، دون النظر إلى التجديد. ومن أهم هذه العوامل أيضا تشجيع العمل بروح الفريق وتسهيل سبل الاتصال و التفاعل داخل المنشأة  لما لذلك من دور هام في تبادل الخبرة والمعلومات وبالتالي التحفيز وزيادة كفاءة الآداء. ولضمان نجاح الابتكارلابد من نجاح المنشأة في تحقيق السبق علي غيرها من المنشآت المناظرة في ثلاثة مراحل هي  التوصل إلى الفكرة، ثم الوصول إلى المنتج المبتكر، ثم الوصول إلى السوق.  ولقياس مدي نجاح الابتكار لابد من توافر مؤشرات قابلة للاستخدام في القياس في كل من هذه المراحل الثلاث منها – علي سبيل المثال لا الحصر –  ما يلي:

  • ما يتعلق بمرحلة الفكرة :عدد الأفكار التي يتم توليدها في فترة جمع الأفكار، فترة التوصل إلى الفكرة، عدد الأفكار الجديدة المرشحة للمتابعة والتطبيق، عدد الأفكار المقبولة لتحويلها إلى منتجات جديـدة.
  • ما يتعلق بمرحلة المنتج: الفترة من الفكرة إلى النموذج الأول للمنتج، الفترة من الفكرة إلى المنتج، نسبة المنتجات الجديدة إلي الأفكار الجديدة المقدمة، الفترة من الفكرة إلى السوق، عدد المنتجات الجديدة للمنشأة مقارنة بالمؤسسات الأخـرى خـلال السـنوات الثلاثة الماضية.
  • ما يتعلق بمرحلة السوق: عدد المنتجات الجديدة التي تم طرحها في السوق ،عدد المنتجات التي حققت نجاحا قويا في السوق، مدى التوسع في الأسواق ، فترة استرداد تكلفة الابتكار.

 وحيث أن هدف الابتكار ليس مجرد جمع بعض الأفكار المبتكرة في وقت ما، لكن الهدف هوخلق قيمة ومساعدة المنشآت على التكيف والتطور بشكل مستمر. لذا عملت المنظمة الدولية للتقييس ISO على تطوير سلسلة جديدة من المواصفات الدولية لإدارة الابتكار بغرض  وضع نظام لإدارة الابتكار يمثل نهجًا منظماا لدمج الابتكار في كافة أنشطة  المنشآت من أجل خلق فرص لتطوير حلول وأنظمة ومنتجات وخدمات جديدة.

 تم نشر ثلاثة مواصفات من هذه السلسلة  خلال عام 2019، والمواصفة الأولي في هذه السلسلة  هي المواصفة الدولية ISO 56002 " إدارة الابتكار - نظام إدارة الابتكار - إرشادات "، وتقدم إرشادات حول إنشاء وتنفيذ وصيانة وتحسين نظام إدارة الابتكار، وتغطي  جميع جوانب إدارة الابتكار، بدءًا من كيفية اطلاق الفكرة، وصولًا إلى بيع منتج جديد في السوق. مع الأخذ بعين الاعتبار السياق الذي تعمل فيه المنشأة، والثقافة، والاستراتيجية ، والعمليات، والتأثير. وتغطي المواصفة العديد من أنواع الأنشطة، بما في ذلك المنتجات والخدمات ، ونماذج الأعمال، والابتكار التنظيمي وغيرها وهي قابلة للتطبيق على جميع أنواع المنشآت بغض النظر عن النوع أو القطاع أو الحجم، و جميع أنواع الابتكارات - على سبيل المثال - المنتج، الخدمة، العملية، الطراز، والطريقة. كما تطبق علي جميع أساليب الابتكار، على سبيل المثال، الابتكار الداخلي والمفتوح، وأنشطة الابتكار التي تعتمد على المستخدم والسوق والتكنولوجيا والتصميم. ويقول رئيس اللجنة الفنية الدولية بمنظمة ISO التي أعدت المواصفة، إن ISO 56002 ستساعد المنشآت على زيادة فرص العمل وتحسين الأداء من خلال  تحديد العناصر التي تحقق لهم الميزة التنافسية وخلق قيمة للمستقبل والتطور والتكيف لمواكبة اتجاهات السوق والمجتمع، وبالتالي التعرف علي الإجراءات الاستراتيجية التي يجب اتخاذها، وأيضا من خلال تقديم الإرشادات حول أفضل طريقة لترتيب أفكارهم، واختبارها بشكل فعال، وإدارة المخاطر والفرص المرتبطة بها، كما تساعد  المواصفةISO 56002 المنشآت في تقديم عروض قيمة جديدة وتعظيم إمكاناتها بطريقة منظمة، وعلى غرس ثقافة الابتكار في أنشطتها، وبالتالي تكريس الإبداع والتحفيز لكل فرد في المنشأة، وفي النهاية تحسين التعاون والتواصل والأداء العام داخل المنشأة.

والمواصفة  الثانية في السلسلة التي تم نشرها مؤخرًا هي  ISO 56003 "إدارة الابتكار - أدوات وأساليب شراكة الابتكار – ارشادات"، و تقدم إرشادات لشراكات الابتكار وتغطي وصف إطار شراكة الابتكار ونموذج الأدوات المقابلة، و تحديد وتقييم واختيار الشركاء، ومواءمة تصورات القيمة وتحديات الشراكة وغيرها من عناصر شراكة الابتكار.

 أما المواصفة الثالثة التي تم نشرها فهي ISO 56004 "تقييم إدارة الابتكار – ارشادات"، وهذه المواصفة تساعد المستخدم على فهم فوائد إجراء تقييم إدارة الابتكار (IMA) ، وما يجب تقييمه ، وكيفية تنفيذه ، وبالتالي زيادة الفوائد الناتجة  عن هذا التقييم . وهذه المواصفة قابلة للتطبيق علي كافة أنواع المنشآات ، بغض النظر عن القطاع أو الحجم أو البلد، وجميع وسائل إدارة الابتكار سواء كانت مركزية أم لا مركزية، كما تطبق علي  كل انواع الابتكارات وجميع أساليب الابتكار.

وتجدر الاشارة الي أن هذه السلسلة من المواصفات يمكن تطبيقها أو استخدامها من قبل العديد من المنشآت و الجهات مثل المنشآت التي تسعى إلى النجاح المستمر في أنشطتها الابتكارية، المنشآت التي تقوم باجراء  تقييم ادارة الابتكار، المستخدمون والأطراف المعنية الأخرى (مثل المعنيين والموردين والشركاء ومنظمات التمويل والجامعات و الجهات الرقابية الذين يسعون إلى التحقق و الثقة في قدرة المنشأة على إدارة الابتكار بفعالية ،الأطراف المعنية التي تسعى إلى تحسين التواصل من خلال فهم مشترك لإدارة الابتكار(IM) ، الجهات الأكاديمية و البحثية  في مجال ادارة الابتكار ، وجهات التدريب أو التقييم أو الاستشارات وغيرهم .

وجدير بالذكر أن  منظمة الأيزو ستصدر عددا من الإضافات المستقبلية لهذه السلسلة تشمل:

• ISO 56000 ، إدارة الابتكار - الأساسيات والمفردات

• ISO 56005 ، إدارة الابتكار - الأدوات والأساليب لإدارة الملكية الفكرية - إرشادات

• ISO 56006 ، إدارة الابتكار - إدارة الذكاء الاستراتيجي- إرشادات

• ISO 56007 ، إدارة الابتكار – إدارة الأفكار

مما تقدم نخلص إلي أن الابتكار أداة  فعالة لتحقيق التنمية والوصول إلي التميز، وبوابة واسعة للدخول إلي الأسواق المحلية والعالمية و ضمان النجاح و المستقبل المستدام.