بقلم.
م. أحمد عبد الراضي
تعد الشائعة من الظواهر الاجتماعية السلبية المنتشرة في المجتمعات، وهي كذلك من أخطر الحروب النفسية والمعنوية التي تحتدم في ظل أجواء مشحونة بعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية متعددة؛ حيث تتأثر بالأزمات التي تتعرض لها المجتمعات، وعندها تكون بيئة انتشارها وسريانها في المجتمع مهيأة، وتكون بمثابة أداة للبلبلة النفسية والفكرية، ومفتاح تغيير الاتجاهات والتصرفات، والأداة التي تستخدم للسيطرة على الاتجاهات الشعبية وتستهدف التماسك المجتمعى، وانتشار الشائعات بصورة واسعة في المجتمعات هو إحدى سمات عصر الثورة التكنولوجية وابتكار التقنيات الاتصالية الحديثة، فكل شيء في هذا العالم الافتراضي يتم التعامل معه على أساس أنه معلومة، بغض النظر عن صحتها أو خطئها، كما أن المعلومة لم يعد إنتاجها حكرًا على جهة بعينها، أو شخص محدد يمتهن إنتاج المعلومات وفقًا لمعايير محددة، بل أصبح بإمكان أي شخص أن يكون بنفسه منتجًا وناشرًا للمعلومة، وفي ظل هذه الوفرة المعلوماتية فإنه من الصعب على من يتلقى هذا الكم من المعلومات أن يميز الصحيح من الخاطئ، والجيد من الرديء، والحقيقة من الشائعة، وعلى الرغم من تطور شبكات التواصل الاجتماعي، وتزايد كمية المعلومات بشكل ضخم، إلا أن جودة المعلومات لم تصبح أفضل، وتخللت كل أنواع المعلومات المغلوطة وبخاصة الشائعات كل الشبكات الاجتماعية تقريبًا.
لقد أصبحت الشائعة بوسائل التواصل الاجتماعي تنتقى مادتها وأدواتها، وتعبر عن محتواها بالنص، والصوت، والصورة، والرسم، والفيديو، علاوة على انتشار الشائعات عبر تلك الوسائل بسهولة، لاسيما مع تحصين هوية المرسل وإخفائها، وكذلك ضعف قدرة مستهلكي الأخبار على تقدير دقة تلك الأخبار؛ نظرًا للكم الهائل من تدفق المعلومات على مستقبليها، بالتزامن مع عدم وجود حارس بوابة لتلك المواقع، وإتاحة كمية ضخمة من المعلومات خارج النطاق الجغرافى الخاص بالمستقبلين، فيصعب التحقق من الحدث، ويسهل على الآخرين القيام بمهمة التضليل، ومن ثم كانت تلك المواقع من أهم الوسائل التي ارتكزت عليها المخططات الاستراتيجية لنشر العنف والفوضى، ونشر الشائعات والأخبار المغلوطة، وزعزعة القناعات الفكرية، والثوابت العقائدية، والمقومات الأخلاقية والاجتماعية التي من شأنها إحداث بلبلة داخل المجتمع؛ الأمر الذي أصبح يمثل تهديدًا للأمن القومي للبلاد، ويشكل خطورة على سيادتها واستقرارها وسلامة أمنها السياسى والاقتصادي، والعسكري، والأيديولوجي، والاجتماعي، وسياستها العليا، وتعزيز استقلالها السياسي والانسجام الاجتماعي؛ نتيجة للحرية المطلقة التي تكفلها تلك المواقع.
وفي هذا الإطار أجريت دراسة مهمة للتعرف على دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات، وأهم العوامل التي تسهم في ذلك الانتشار، وتأثير انتشار الشائعات على الأمن القومي المصري، وكذلك اهتمت الدراسة بكيفية مواجهة الشائعات من وجهة نظر الجمهور، ودور الأجهزة الرسمية في مجابهتها والحد من نطاق انتشارها. وتأتي أهمية الدراسة تزامنًا مع التحولات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة العربية؛ مما يستوجب ضرورة دراسة الشائعات، بوصفها واحدة من أهم أساليب الحرب النفسية المؤثرة على مسار تلك التحولات والأزمات. وأوضحت نتائج الدراسة أن من أهم العوامل المؤثرة على نمو وانتشار الشائعات بالمجتمع وفقًا لرؤية عينة الدراسة هي غياب المعلومات الواضحة والدقيقة، وتعكس هذه النتيجة أهمية المعلومات في العصر الراهن كقوة استراتيجية تؤثر على فعالية إدارة الدولة لاستراتيجياتها الاتصالية في التعامل مع الرأي العام، فالتعامل مع الشائعات جزء مهم ورئيسي في إدارة الدولة لأمنها القومي، لاسيما في ظل أوقات التحول الديمقراطي والتي يمثل فيها عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بيئة خصبة مهيأه لسرعة انتشار الشائعات، وهو ما يتعين معه أن تطور الدولة استراتيجياتها في الاتصال، ومد الجمهور بالمعلومات والبيانات الصحيحة والدقيقة. وكشفت دراسة أميركية أن عدداً كبيراً من وسائل الإعلام الإلكترونية تفتقد إلى الدقة وتساهم في نشر شائعات، مؤكدة أنه ليس كل ما ينشر على الشبكة يتمتع بالصدقية. وقالت الدراسة التي تحمل عنوان "أكاذيب وأكاذيب كريهة ومحتوى ينتشر بسرعة إنه "بدلاً من لعب دور مصدر معلومات دقيقة، يساهم عدد كبير من وسائل الإعلام الإلكترونية في التضليل لتحصد مزيداً من الزيارات لموقعها ومن الاهتمام". وأضافت الدراسة، التي تمت بإدارة كريغ سيلفرمان في معهد "تاو سنتر للصحافة الرقمية" في جامعة كولومبيا إن وسائل الإعلام اضطرت لمعالجة أخبار لم يتم التحقق من صحتها لكن بعضها تسرعت في نشر أخبار كاذبة. وتابعت الدراسة نفسها أن "عدداً كبيراً من المواقع لا يتحقق من صحة المعلومات التي يقوم بنشرها، وبدلاً من ذلك يقوم بربطه بوسيلة إعلام أخرى تشير هي نفسها إلى وسائل إعلام أخرى". وقال سيلفرمان لوكالة فرانس برس إن المعلومات الكاذبة تثير في أغلب الأحيان اهتماماً أكبر من الأخبار الصحيحة، لذلك تنتشر بشكل أوسع. وأضاف "عندما ينتشر نبأ كاذب على مواقع الإنترنت، يجب أن تهتم به الصحافة وتشير إليه لقرائها إلى ما نعرفه وما لا نعرفه"، ونادراً ما ينشر النفي.
المصدر: البوابة نيوز سكاي نيوز عربية