بقلم.
م. سامية العزازي
مواصفة الايزو 20400 هو المواصفة الدولية الأولى التي تقدم إرشادات حول كيفية تحقيق أهداف الاستدامة في عمليات الشراء. مفهوم الشراء المستدام ليس بالجديد، فقد انتشرت في التسعينيات حملات لنشر هذه المفاهيم، ونشرت مواصفات قياسية وطنية في انجلترا عام 2010 وفي فرنسا عام 2011 عن الشراء المستدام، وفي عام 2013 م شكلت منظمة الأيزو ISO لجنة فنية بهدف تطوير مواصفة عالمية جديدة للشراء المستدام هي 20400 ISO التي صدرت في عام 2017. ضمت اللجنة خبراء عالميين من 37 دولة مشاركة و15 دولة مراقبة و 10 منظمات عالمية، ووافقت اللجنة على استخدام مصطلح "الشراءالمستدام" لأنها تشمل جميع عناصر الاستدامة الثلاثة الاقتصادية و البيئية والاجتماعية، وليس فقط مفهوم"المشتريات الخضراء" أو "الشراء المسئول" أو "الشراء الأخلاقي" وغيرها.
تأتي أهمية هذه المواصفة من حقيقة أن عملية الشراء أداة قوية للمنشآت التي ترغب في العمل بأسلوب مسئول، والمساهمة في التنمية المستدامة، حيث يمكن للمنشآت إدارة المخاطر المتعلقة بالتنمية البيئية والمجتمعية والاقتصادية المستدامة عن طريق دمج الاستدامة في سياسات وممارسات الشراء، متضمنة سلاسل الإمداد، علما بأن الشراء المستدام يمثل فرصة لإضافة مزيد من القيمة إلى المنشأة عن طريق تحسين الانتاجية، وتقييم وتحسين الأداء، وتيسير التواصل بين المشترين، والموردين، وجميع أصحاب المصلحة، وكذلك تشجيع الابتكار. ويمكن تطبيق هذه االمواصفة على كافة أنواع المنشآت سواء كانت عامة أو خاصة بغض النظر عن حجمها وموقعها، مع الأخذ في الاعتبار السياق الخاص لكل منشأة وسماتها، والتدرج في تطبيق مفاهيمها بحيث تناسب حجم المنشأة، وهي سهلة الفهم بالنسبة لأى صاحب مصلحة يشارك في عمليات وقرارات الشراء أو يتأثر بها.
ولإلقاء الضوء علي هذه المواصفة نجد أنها تشتمل علي جزئين: الأول نص المواصفة، والثاني عدد من الملاحق تربط بينها وبين المواصفة الدولية للمسئولية المجتمعية ISO 26000، وتشتمل المواصفة - مثل بقية المواصفات الدولية - علي ثلاثة بنود عامة هي: المجال، والمراجع التكميلية أو المصادر، والمصطلحات و التعاريف، إضافة إلي أربعة بنود أخري وهي فهم الأساسيات، و دمج الاستدامة في سياسات و استراتيجيات الشراء داخل المنشأة، و تنظيم وظيفة الشراء نحو تحقيق الاستدامة، ودمج الاستدامة في عملية الشراء. وينص بند الأساسيات علي تعريف الشراء المستدام بأنه "عملية الشراء ذات التأثيرات البيئية والمجتمعية والاقتصادية الأكثر إيجابية على مدار دورة الحياة بأكملها والتي تسعى لتقليص التأثيرات السلبية للسلع والخدمات"، وتشتمل عملية الشراء المستدام على جوانب الاستدامة المرتبطة بالسلع أو الخدمات وبالموردين عبر سلاسل الإمداد بوجه عام. و تعرف دورة الحياة بأنها المراحل المتعاقبة المتصلة لنظام السلع أو الخدمات، بدءا من الحصول على المواد الخام أو استخلاصها من موارد طبيعية، حتى التخلص النهائي. كما تنص الأساسيات علي مبادئ الشراء المستدام، وتشمل المساءلة، والشفافية، والسلوك الأخلاقي، والفرصة الكاملة والعادلة، واحترام مصالح أصحاب المصلحة، واحترام سيادة القانون والمعايير الدولية للسلوك، واحترام حقوق الإنسان، والحلول المبتكرة، والتركيز على الاحتياجات، وادماج الاستدامة في كافة ممارسات الشراء، وتحليل كافة التكاليف المتعلقة بدورة الحياة، والتطوير المستمر. ويوضح هذا البند الموضوعات السبع الأساسية للشراء المستدام، وهي مأخوذة من المواصفة القياسية للمسؤولية المجتمعية ISO 26000، وتشمل الحوكمة التنظيمية، وحقوق الإنسان، والممارسات العمالية، والبيئة، وممارسات التشغيل العادل، وقضايا المستهلك، ومشاركة وتنمية المجتمع. كما أن المواصفة توفر أمثلة عديدة لدوافع الشراء المستدام، وتتلخص في متطلبات و توقعات العملاء، والميزة التنافسية، والابتكار، وتوقعات أصحاب المصلحة، والتشريعات و اللوائح الحكومية، والسياسات العامة، إدارة المخاطر، وتأمين سلاسل الإمداد، وثقة المستثمرين، والعاملين، والتزام الموردين، والتكاليف، والقيمة الاقتصادية، والقيادة الشخصية، والأخلاقيات التنظيمية.
وفيما يتعلق بالسياسات والاستراتيجيات يتعين دمج الاستدامة في سياسة واستراتيجية المنشأة في مجال المشتريات لتحقيق طموحات المنشأة، ويقدم هذا البند فكرة "الخيط الذهبي" بين السياسة التنظيمية واستراتيجية المشتريات، كما يغطي التزام المنشأة بالشراء المستدام، وتوضيح المساءلة، ودمج الشراء مع الأهداف التنظيمية، وفهم سلاسل الإمداد، وإدارة التنفيذ. وتهتم المواصفة بتنظيم عمليات الشراء للوفاء بمتطلبات الاستدامة.
وأود أن نركز هنا علي أحد أهم العناصر التي تضمن تحقيق هذا الهدف وهي الحوكمة التنظيمية التي تختص بعمليات صنع القرار وهياكلها، حيث تركز الاجراءات والتوقعات الخاصة بالشراء المستدام علي المهام المطلوبة وتشمل وضع سياسة للشراء تعكس التزاما بالاستدامة مع أهداف وطموحات واضحة، وتطبيق مبادئ الشراء المستدام على ممارسات الشراء وجعل هذا التطبيق ملحوظا من خلال مثال يقتدى به والعمل في إطار الأداء والالتزام -على سبيل المثال- قواعد السلوك الأخلاقي، وإنشاء عمليات اتصال ذات اتجاهين مع الموردين والمقاولين والشركاء التجاريين وأصحاب المصلحة الآخرين في سلاسل الإمداد فيما يتعلق بقضايا الاستدامة ذات الصلة والأهمية الشديدة، وتشجيع الوعي بالتنمية المستدامة بين جميع العاملين المشاركين في عملية الشراء، وبحث الحلول المبتكرة للبضائع أو الخدمات من خلال تبني منهجيات مثل تكاليف دورة الحياة "LCC" أو البضائع كنظم خدمات (الاستخدام بدلا من الملكية) أو الاقتصاد الدائري.
من الملاحظ أنه من الصعب قياس أداء الاستدامة، علي الرغم من وضع وتطبيق عدد من مؤشرات الأداء المختلفة مثل مؤشرات العمليات، ومؤشرات قياس مدي تنفيذ سياسة الشراء المستدام، ومؤشرات النتائج المتعلقة بأداء المنشأة، ومؤشرات قياس الآثار الاقتصادية و البيئية والمجتمعية الهامة. لذا ينبغي أن تعتمد الإدارة الجيدة على أهداف قوية وواضحة، يتم إبلاغها جيدا من خلال سلسلة توريد فعالة ومختصة. ومع أن الوقت ما زال مبكرا لملاحظة أثر تطبيق برنامج الشراء المستدام و تطوره من مؤشرات تنظيمية إلى نتائج يمكن قياسها، فمن المؤكد أن ذلك الأثر سيبدو واضحا علي أداء المنشأة ثم يتطور تدريجيا إلى أثر ايجابي ملموس للمنشأة على المجتمع والبيئة والاقتصاد ككل.