بقلم.
د.محمد لاشين
من المؤكد أن مجالات صناعة الإستشارات الإدارية تساهم وتؤثر بشكل كبير في الاقتصاد العالمي. وتعتبر الخدمات الإستشارية للأنظمة الإدارية عالم سريع التغير، بحيث يجب أن تحقق لعملائها باستمرار كافة المخرجات والمزايا لنظم الإدارة من خلال مبادرات تكاملية ودمج للقدرات والتخصصات والخدمات ونماذج المخرجات الجديدة وكذلك توقعات أصحاب المصلحة.
ونحن نعرف أن المواصفات الدولية قد وضعت لتنظيم وتحسين الأعمال بشكل عام، فهي توفر معايير ذات مستوى عالمي للمنتجات والخدمات وأنظمة الإدارة، لتوحيد المفاهيم وضمان الجودة والسلامة والكفاءة، وتسهيل التجارة الدولية والبينية.
وتعتبر المنظمة الدولية للتوحيد القياسي ISO أكبر مطور للمواصفات الدولية على مستوي العالم. وقد أعلنت المنظمة مزايا عديدة لتبنى وتطبيق هذه المواصفات الدولية، فمثلا في مجال الأعمال تصبح الشركة أكثر تنافسية من خلال تقديم المنتجات والخدمات المقبولة عالميا، مما يمكنها من دخول أسواق جديدة بسهولة، بالإضافة إلى رفع الأرباح من خلال تقديم منتجات ذات جودة عالية، والتوافق القانوني والتشريعي والسلامة، وخفض التكاليف عن طريق عدم إعادة اختراع العجلة واستخدام الموارد المتاحة بشكل أفضل نهاية بالاستفادة من الخبرات والمعرفة وأفضل الممارسات من كبار الخبراء في جميع أنحاء العالم. أما في المجال التنظيمي، فقد أعلنت المنظمة عدة مزايا أخري مثل توحيد اللوائح عبر البلدان لتعزيز التجارة العالمية، وزيادة المصداقية والثقة في جميع مراحل سلسلة التوريد وتسهيل منهجيات الاستعانة بمصادر خارجية متخصصة.
وفى نطاق المزايا المجتمعية، فقد أعلنت المنظمة أن المواصفات الدولية تحقق فرص إختيار أوسع لمنتجات وخدمات آمنة وموثوق بها وبأسعار تنافسية، وتحقق أفضل الممارسات والعمل المتضافر على المستوى التنظيمي لمعالجة التحديات العالمية بشكل عملى، مثل تغير المناخ والتنمية المستدامة.
وإستجابة لرغبة الحكومات وأصحاب الأعمال في الإستفادة من هذه المزايا، إرتفع الإنفاق والدعم على مقدمي الخدمات الإستشارية بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين، وأثرت المشاريع الإستشارية على الأجندات السياسية واستراتيجيات الإنفاق، فضلاً عن التحول في الأعمال التجارية. فمثلا، فرضت عدة دول وإتحادات إقليمية شروطا للإستيراد والتعامل التجارى، تلزم الشركات بتطبيق نظام إدارة دولي والحصول على شهادة إعتماد دولية. إلا أن كل هذا الإنفاق وكل هذه التشريعات لم تحقق المستهدف منها، بسبب سوء الإختيار أو المستوي الضعيف لمقدمي الخدمات الإستشارية.
وعلى جانب آخر، يهدف العملاء إلى وضع المزيد من المهام للإستشاريين مع تركيز أكبر على تقليل وقت الوصول إلى حلول ومخرجات المشاريع الإستشارية، بهدف تقليل التكلفة، ولذلك، تؤثر هذه الممارسات على ارتباطات وميزانيات وأسعار مقدمي الخدمات الإستشارية، مما يؤدى لمخرجات ضعيفة، قد تحقق بعض التوافق لمتطلبات المواصفات الدولية بشكل جزئى أو وهمى، لكنها بالتأكيد لا تحقق المزايا المعلنة والمتوقعة من المستفيدين، ومن المعروف أن الخدمات الإستشارية تستلزم درجة عالية من التخصص والتفصيل والمعرفة المكثفة، ولذلك يعتبر التوجه نحو "تسريع العمليات الإستشارية" من الممارسات التي تتعارض مع نجاح الخدمات الإستشارية في نظم الإدارة الدولية.
وعلاوة على ذلك، فإن الطبيعة غير الملموسة للخدمات الإستشارية تسبب ارتفاع تكاليف نشرها وتسويقها. ففي الواقع، وفي مجال الخدمات الإستشارية، لا يشتري العملاء أي شيء سوى كفاءة ومهارة الاستشاريين وكذلك سمعتهم وخبرتهم الشخصية. وفي الواقع العملي، من الصعب للغاية بالنسبة لكل من الإستشاري والعميل ضمان مستوي جودة ثابت. ومع ذلك، كلما كانت منهجية تقديم الخدمة أكثر توحيدًا، كلما أصبح من الأسهل الحصول على المعلومات المطلوبة، ويؤدي إلى تقليل عدم التناسق والتناغم في المعلومات بين العملاء والإستشاريين.
ولكي نصل لمنهجية مناسبة لقياس فعالية "العائد من الإستشارات"، يجب التوجه نحو التوحيد القياسي في خدمات الإستشارات الإدارية، كما يجب وضع المشاركة والمساهمات الفعالة في الإعتبار، ليس فقط من قبل مقدمي الخدمات الإستشارية، ولكن أيضا من المنظمات المتعاملة معها، وبالطبع من كافة أصحاب المصلحة في صناعة الإستشارات. وسوف يؤدي هذا للوصول لمستوى الإتقان والإحتراف المأمول في مجال الإستشارات الإدارية وزيادة التوجه نحو جودة الإختيار للاستشارات المناسبة.
ونحن، في عالمنا العربى، نحتاج أن يتطور مجال تقديم الخدمات الإستشارية لنظم الإدارة الدولية لتصبح مهنة ذات مبادئ وقواعد ومعايير ممارسة مهنية. فهذه الخدمات ضرورية لتحقيق الإنتاجية والإستدامة لمختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية.
وبناء على ذلك، شكل المعهد القومي للجودة مجموعة عمل من بعض أعضاء اللجنة الاستشارية واللجان الفنية به وعدد من الخبراء بهدف وضع معايير لضمان تحسين العلاقة والشفافية والتفاهم بين العملاء والاستشاريين في نظم الإدارة الدولية، من أجل تحقيق نتائج ومخرجات أفضل للمشاريع الإستشارية. كما يتيح تقديم قيمة أفضل للعملاء، بالإضافة إلى تقليل المخاطر في مهام الإستشارات الإدارية، من خلال تحسين الجودة والاحتراف والسلوك الأخلاقي وقابلية التشغيل البيني للاستشارات الإدارية، مما يساهم فى تعزيز فاعلية مجال الإستشارات الإدارية والتعجيل بتطوير هذه المهنة.