بقلم.
أ.د/ كريمة فؤاد الشامي
إنّ العالم فِي العصر الحالي يقفُ على باب كبير منَ التطوّر العلمي والتكنولوجي على الرغم من اختلاف الطريقة المتّبعة لتوصيلِ المعلومة إلى الآخرين، وهذا الأمر قد ساهمَ إلى حدٍّ كبير فِي تقدّم الأجيال وسهولةِ الوصولِ إلى المعلومة وتبسِيطها، ولكن هناكَ طرقٌ مُهمّة يجب أن تُتّبع فِي عملية التدريس حتّى يستفيدَ منها المُتعلّم بشكلٍ كامل؛ فالتكنولوجيا سلاحٌ ذو حَدين يجب الحذرُ منهُ عندَ تطبيقهُ على أرضِ الواقع وتعليمِ الطلاب خصوصاً في المرحلةِ المبكّرة منَ الطلاب، حتّى يستطيعوا أن يستخدموا الجانب المضيء من التكنولوجيا وإبعادهم عن الجانب المظلم منها، لذا فإنه يجب اتباع أفضلِ طرقِ التدريس الحديثة والمُهمّة فِي المؤسسات التعليميّة.
والحديث عن استراتيجيات التدريس الحديثة لا يعني تَناوُلَها في مقابل استراتيجيات تدريس قديمة أو تقليدية أو كلاسيكية، على اعتبار أن العديد من استراتيجيات التدريس الحديثة ما هي إلا اقتباس أو تطوير لاستراتيجيات قائمة وسابقة، وعلى اعتبار - أيضا - أن استراتيجيات تدريس قديمة أو تقليدية ليس معناهُ أنها استراتيجية لم تعد صالحة للاستعمال، وإنما هو - أي هذا الحديث - إشارة ومحاولة لِنَضَعَ بين أيدي المدرسين اختياراتٍ أكثر، تجعلهم يأخذون منها ويُجربون ما يَرَوْنهُ مناسبا لطلابهم ولخصوصيات فصولهم الدراسية. جدير بالذكر أيضا أنه مهما اختلفت الاستراتيجيات وتنوعت، توجد نقاط مشتركة بينها، ينبغي مُراعاتها وأخذها بعين الاعتبار وأهمها:
تعريف الاستراتيجية: أصلها اللغوي هو الكلمة اليونانية استراتيجيوس، ومعناها فن القيادة و اختيار الأهداف. تم استعمال هذا المصطلح لأول مرة في الميدان العسكري، وتعني استخدام الإمكانيات والمواد والوسائل المتوفرة على أتم وجه لتحقيق الأهداف المنشودة، (إطارٌ مُوجِّه لأساليب العمل). ثم انتقل استخدام هذا المصطلح ليشمل مجالات عدة منها مجال التدريس والتعليم.
إستراتيجيات التدريس: هي سياق من أساليب وطرق التدريس وتقنيات تنشيط الفصل الدراسي المتغيرة حسب معايير عدة، لعل أهمها هو الموقف التدريسي. إنها أسلوب المعلم في تدريسه للمواد وفي طريقه لتحقيق الأهداف التعليمية المرجوة، إنها كذلك الوسائل والأدوات والإجراءات التي يستخدمها لمساعدته في مَهمته، إنها أيضا الجو العام داخل الفصل الدراسي المساعد على الوصول -بشكل منظم ومتسلسل- إلى مُخرجات تعليمية مقبولة في ضوء الإمكانات المتاحة. إنها كل ما سبق، لكنها باختصار التخطيط المُسبق والخطة التي يتبعها المعلم لتحقيق هدف تعليمي.
استراتيجية التدريس و طريقة التدريس وأسلوب التدريس: رغم كونها مفاهيم مرتبطة ومتداخلة ومتقاربة إلا أنه يمكن تلخيص الفرق بينها في كون استراتيجية التدريس أشمل من الطريقة، والطريقة أوسع من الأسلوب. فعلى ضوء استراتيجية التدريس يختار المعلم الطريقة المناسبة، والتي بدورها تُحدد أسلوب التدريس الأمثل الذي يتبعه المتعلم. الاستراتيجية إذاً هي خطة عامة للتدريس، بينما طريقة التدريس أقرب إلى كونها وسيلة اتصال من أجل الوصول إلى أهداف معينة ومسطرة مسبقا، بينما الأسلوب هو الكيفية التي يتناول بها المعلم طريقة التدريس. كماأنه يمكن أن تقوم استراتيجية التدريس على طريقة واحدة أو على عدة طرق، وذلك حسب الأهداف المسطرة، في حين أننا نختار الطريقة لتحقيق هدف متكامل واحد خلال موقف تعليمي معين.
مفهوم الجودة في التعليم: يُمكن تعريف الجودة في التعليم على أنها تلك العملية التي تهدف إلى الارتقاء بالعملية التعليمية وتحقيق نقلة نوعية من خلال تطبيق حزمة من الإجراءات والأنظمة التعليمية وتوثيق للبرامج التعليمية المُختلفة، وجدير بالذكر أن هذا الارتقاء في العملية التعليمية يتكون من خلال رفع المستويات المُختلفة لدى الطلاب، سواء كانت هذه المستويات على الصعيد الجسمي أو النفسي أو حتى الاجتماعي والعقلي مما يؤدي إلى تحسين المستويات التعليمية لهؤلاء الطلاب وقدرتهم على القيام بالعمليات التعليمية المختلفة، ولا تقتصر جودة التعليم على الطلاب فقط، بل تشمل أيضاً نواحي مختلفة كالمُعلم والمنهج الدراسي والمجتمع الجامعى والبيئة المحيطة.
جودة التدريس: ترتكز الجودة بالتدريس على استثمار قدرات الأشخاص العاملين بمؤسسات التعليم للنهوض بها، وتحقيق الهدف المنشود، وهو الوصول إلى أعلى مستويات في التعليم، وتأهيل موارد بشرية قادرة على مواجهة المستقبل بعلمها ومواكبة التطورات، وذلك من خلال تنمية قدراتهم الفكرية ومهاراتهم والوصول إلى أعلى مستويات الجودة، وحتى نرتقي بالتعليم يجب أن نصلحه ونغيره بما يتناسب مع التطورات الحاصلة، وهذا التغير يعتمد على معايير معينة، تشمل هذه المعايير جميع النواحي الخاصة بالتعليم من التحصيل الدراسي عبر مراحل الدراسة، حيث تتجاوز المعايير كل المشكلات والصعوبات التي يمكن مواجهتها. فالتدريس الجيد أو الفعال هو الذي:
أهم استراتيجيات التدريس الحديثة:
استراتيجية العصف الذهني (Brainstorming)، و يقصد بها وضع الذهن في حالة من الإثارة بُغية التفكير في كل الاتجاهات والاحتمالات للوصول في جو من الحرية إلى أكبر عدد ممكن من الأفكار والآراء حول مشكلة أو موضوع معين.
إستراتيجية التعلم بالنمذجة، أو ما يعرف بالتعلم بالملاحظة، هو نوع من أنواع التعليم، الذي يتم الاعتماد من خلاله على النماذج في نقل فكرة أو خبرة إلى فرد أو مجموعة أفراد.
إستراتيجية العمل الجماعي، وتسمى أيضا التعلم التعاوني، وتتجلى في تقسيم المتعلمين إلى مجموعات مصغرة تتكون غالبا من 3 إلى 4 أعضاء، تُعطى لهم واجبات محددة (أهداف مشتركة) وعليهم الاعتماد على التعاون (التبادل المعرفي والمهاري) من أجل إنجاز المَهمة المطلوبة منهم.
استراتيجية المناقشة، هو أسلوب قديم يُنسب للفيلسوف سقراط، الذي كان يعتمده لتوجيه طلابه وتشجيعهم. ويمكن اعتباره بمثابة تطور للطريقة الإلقائية عبر استعمال المناقشة على شكل تساؤلات تثير دافعية المتعلمين.
استراتيجية الكرسي الساخن (Hot Seat Strategy)، هي استراتيجية تقوم على طرح الأسئلة على طالب معين، بهدف تنمية مهارات عدة من أهمها بناء الأسئلة وتبادل الأفكار والقراءة.
استراتيجية الرؤوس المرقمة Numbered Heads Together))، تعد من استراتيجيات التدريس الحديثة التي تسهم بشكل فعال في تشجيع التعلم النشط لدى المتعلمين وتحقق نتائج تعليمية مرضية للمعلم سواء على مستوى تحصيل المتعلمين أو على انسيابية خطواتها وانعكاس نتائجها على مستوى أداء المعلم في الدرس.
إستراتيجية التدريس التبادليReciprocal Teaching strategy، هي نشاط تعليمي يهتم على وجه الخصوص بدراسة النصوص القرآئية (قراءةً وفهما وتحليلا…)، بالاعتماد على الحوار المتبادل بين الطلاب والمحاضر أو بين الطلاب مع بعضهم البعض.
استراتيجية الحقيبة التعليمية، وتسمى أيضا الرُّزَم التعليمية. وهي وحدة تعليمية (بناء متكامل مُحكم التنظيم) تُوَجِّهُ نشاط المتعلم باعتماد التعلم الذاتي وإتاحة فرص التعلم الفردي، وتتضمن مواد تعليمية ومعرفية منوعة تراعي الفروق الفردية، معززة باختبارات قبلية وبعدية، وبنشاطات ووسائل تعليمية متنوعة مُساعِدة على تنزيل المناهج الدراسية.
استراتيجية المشروعات، وتسمى أيضا الورشة التعليمية.
إستراتيجية حل المشكلات أو التعلم القائم على المشكلات، وتسمى الأسلوب العلمي في التفكير، وتتم عبر إشعار المتعلمين بالقلق وإثارة تفكيرهم إزاء مشكلة ما (تكون مناسبة لمستواهم، وذات صلة بموضوع الدرس، و بمعيشهم) لا يستطيعون حلها بسهولة، بل بالبحث واستكشاف الحقائق المؤدية إلى الحل.
إستراتيجية التعلم بالاكتشاف، تدعو هذه الاستراتيجية إلى استخدام التفكير المنطقي وتُشجع التفكير النقدي العقلي البعيد عن الخرافات والمُسلَّمات، مُخاطبة المستويات العقلية العليا كالتحليل والتركيب. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى جعل المتعلم في قلب العملية التعليمية وزيادة دافعيته.
استراتيجية التدريس الاستقرائي، يمكن تلخيص هذه الاستراتيجية في عبارة "الانتقال من الجزء إلى الكل″ عبر تتبع الجزئيات والتفاصيل والأمثلة وعرضها ثم مناقشتها وفحصها وتحليلها، للوقوف على أوجه الشبه والاختلاف ثم الوصول إلى استنتاجات عامة وأحكام كلية، ومنه التعميم ووضع القانون أو التعريف أو تحديد قاعدة معينة.
إستراتيجية الخرائط المفاهيمية، هي استراتيجية تدريسية تُوظف الأشكال والخطوط و الصور والأسهم والألوان واللغة (كلمات الربط) لتمثيل المعرفة وتقديم المعلومات. ويمكن استثمارها في تعميق الفهم وتلخيص المعلومات واستنتاج العلاقات بين المفاهيم.
إستراتيجية التعلم بالتعاقد، وهي من الاتجاهات الحديثة في التعليم التي يتم فيها تقاسم مسؤولية التعليم والتعلم بين المعلم والمتعلمين عبر الاتفاق الصريح والواضح والمكتوب على الالتزام بأداء مهام أو تنفيذ مشاريع معينة. وتبقى من أهم أهداف هذه الاستراتيجية نبذ كل مظاهر العنف الدراسى بالوصول إلى مقاربة تشاركية تعاونية بين المعلم والمتعلم، الذي عليه أن يتعود على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات.
استراتيجية مثلث الاستماع، وهي شكل آخر من أشكال العمل في مجموعات أو العمل التعاوني.
إستراتيجيــة التعـــليم الإلـكتــروني، يمكن تعريفها على أنها ”منظومة تعليمية تعتمد تقنية المعلومات والاتصالات التفاعلية مثل (الإنترنت و القنوات التلفزيونية والبريد الإلكتروني وأجهزة الحاسوب والمؤتمرات عن بعد…) في تقديم البرامج التعليمية أو التدريبية للطلاب أو المتدربين في أي وقت وفي أي مكان، باستخدام طريقة متزامنة أو غير متزامنة".
استراتيجيـــــــة القصـــــة، رغم أن البعض يعتبرها من الطرق التقليدية القديمة إلا أن توظيف المستجدات التكنولوجية الحالية (الفيديو في التعليم، الصور، الرسوم المتحركة، العروض التعليمية، الفصل المقلوب) يمكن أن يجعلها استراتيجية مفيدة جدا في تقديم المعلومات ونقل العِبر للأطفال بشكل سلسٍ وشيِّق.
استراتيجيـــة تقـييم الأقــران، الهدف منها هو تدريب الطلاب على التقييم والنقد واتخاذ القرار. وكذا تَعَرُّفُهم على الطريقة التي تتم بها عملية التصحيح وتقييم الأعمال، لأخذها بعين الاعتبار في أعمالهم وإنجازاتهم القادمة.
إستراتيجية فكر - زاوج – شارك (Think – Pair – Share )، استراتيجية يمكن تلخيصها في (فَكِّرْ و اكتب - ناقِشْ مع زميلك - شَارِكْ مجموعتك ثم فصلك).
استراتيجية التدريب الميداني العَملي، مُناسَبَة لتطبيق وتقويم المعلومات التي تمت دراستها. تُلائِم أكثر الطلاب كبار السن والمرحلة الجامعية، و تدعم الأساليب النظرية التي قد لا تكون كافية.
استراتيجية التعلم الذاتي، من أهم أهدافها تعلمُّ التعلمِ، أي أن يكتسب المتعلم المهارات الضرورية التي تُمكنه من التعلم باستمرار لمواجهة المهام الدراسية والتعامل مع مصادر العلم والمعرفة في مرحلة أولى، ولمواجهة الحياة في مرحلة قادمة.
استراتيجية كيلر أو التعلم للإتقان Mastery Learning Theory ، تصنف استراتيجية كيلر على أنها واحدة من استراتيجيات التعلم الذاتي. استراتيجية يمكن تلخيصها في كونها تسعى لإيجاد تطبيقات جديدة في أساليب التدريس عبر التوفيق بين نظرية التعزيز لـ ″سكنر″ (علم النفس السلوكي) و نظرية التعلم للإتقان.
استراتيجية التعلم بالتخيل، استراتيجية قريبة لِلَعب الأدوار ويُقصد بها التخيل الإبداعي. والمطلوب من المتعلم في هذه الطريقة هو أن يتخيل نفسه في وظيفة أو مهمة أو وضعية - (حسب ما هو محدد في التعليمات) - ثم يُعطى له وقت للعمل والتفكير والإبداع.
استراتيجية K.W.L ، استراتيجية تعتمد على 3 محاور أساسية وهي ماذا أعرف مُسبقا؟، وماذا أريد أن أتعلم؟، وماذا تعلمت بالفعل؟
وفى النهاية نريد أن نذكر بأنه مهما تنوعت استراتيجيات التدريس الحديثة واختلفت، فإن نوعية وطبيعة الحصة التعليمية والهدف منها ومحتواها ومستوى المتعلمين وخصوصية كل بيئة دراسية تبقى المُحَدِّد لأي استراتيجية نستخدم. وهو أمر بطبيعة الحالمَنُوطٌ بالمُحاضر وهو الأكثر دِرايةً بمتطلبات محتواه الدراسي.